معارضة “من كل وادٍ عصا”: خدمات مجانية للخصوم!
لعل أشد المتشائمين بواقع المعارضة لم يكن يتوقع ان تظهر متشظية بهذا الشكل الصارخ في كل الاختبارات السياسية والدستورية التي خاضتها حتى الآن، حيث ظهرت كمن يأتي الى الامتحان من دون أن يكون قد استعد له ودرس “المنهاج.”
خلال وقت قصير تلاحقت الاخفاقات، الواحد تلو الآخر، وسط تضارب حاد في الحسابات والمصالح، حتى أصبحت معارضة “من كل وادٍ عصا.”
والاكيد ان حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاءهما ما كانوا ينتظرون من خصمهم كل هذا الكرم والسخاء في منحهم الخدمات المجانية وتسهيل اجندتهم السياسية، ولكأن هذا الخصم المفترض هو حليف “مستتر” يرتكب الفاولات المتكررة في منطقة الجزاء تارة ويمرر الكرات “المقشرة” الى الفريق المنافس طورا!
لقد فشلت الجهات التي تقدم نفسها تغييرية وسيادية في الانسجام مع شعاراتها وبدت حتى الآن أعجز من ان تنتج نموذجا مختلفا في السلوك السياسي والنيابي، كما يتضح من الانقسامات والانانيات التي تتخبط بها، وما الاستشارات النيابية الالزامية الأخيرة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة الا مثال حي على ذلك.
لا وليد جنبلاط وسمير جعجع اتفقا على اسم رئيس مكلف بعدما اختار الأول نواف سلام واختار الثاني الورقة البيضاء، ولا جعجع استطاع ان يتفاهم مع النواب التغييريين على مقاربة مشتركة لهذا الاستحقاق، ولا التغييريون أنفسهم توافقوا حول خيار واحد بل انقسموا على أنفسهم فسمى بعضهم سلام وامتنع البعض الآخر عن التسمية، فيما قاطع النائب اشرف ريفي الاستشارات من أساسها مغردا خارج سرب الكتلة الوليدة التي جمعته مع النائبين فؤاد مخزومي وميشال معوض.
انها عينة عن حالة التشتت التي تسود كتل نيابية دخلت الى المجلس تحت شعار صنع بديل عن سياسات الطبقة الحاكمة وتجاربها، فإذا بها تواجه “المنظومة” بانعدام “التنظيم”، وتُغلّب “الأنا” على “المجموع”، ما افقدها الكثير من الفعالية والصدقية.
ليس خافيا انه كان بمقدور المعارضة النيابية لو توحدت ان تأتي بالاسم الذي تريده للتكليف او على الاقل ان تخوض منافسة حقيقية مع نجيب ميقاتي، لكنها أضاعت الفرصة وتلفت هزيمة اضافية تضاف الى الانتكاسات التي بدأت مع انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة مكتب المجلس وامين سره، لتثبت بنفسها ان حزب الله محق بل متواضع عندما اعتبر ان الانتخابات لم تفرز اكثرية واضحة لأي طرف، إذ ان التجارب توحي لغاية هذه اللحظة بان الحزب وحلفاءه لم يفقدوا الأكثرية بل هم يجيدون في كل مرة “اقتناصها”، على رغم من انهم أقلية عدديا.
وتعتبر اوساط قريبة من خط المعارضة ان سلوك قواها هو مخيب للآمال حتى الآن، مشيرة الى ان تلك القوى خذلت الناس الذين اقترعوا لها في الانتخابات النيابية.
وتنبه الاوساط الى ان هناك أزمة ثقة بدأت تلوح بين القاعدة الشعبية التي صوتت لمن كانت تعتبرهم تغييريين وسياديين وبين أطراف المعارضة تحت وطأة نتائج الاستحقاقات المتلاحقة، متخوفة من ان ينسحب هذا المسار على الانتخابات الرئاسية المقبلة، “حيث يُخشى عندها ان تتفاقم عوارض الانقسام والتشتت داخل الفريق المعارض على وقع الطموحات والمصالح المتضاربة.”
وتستغرب تلك الاوساط موقف القوات اللبنانية التي “تتحمل المسؤولية الأكبر عن تفسخ المعارضة وتبعثرها في استشارات التكليف بسبب رفضها تسمية السفير نواف سلام لأسباب هزيلة”، متسائلة عن خفايا هذا الموقف ودوافعه الحقيقية.
عماد مرمل